مختار القرية

**sun** تاريخ التسجيل : 09/10/2010

مختار قريتنا وحمارها..

وليد رباح

في قريتنا التي يقبع المختار فيها على قمة الهرم .. والتي يجري فيها ( تسخين البحر) كي يستحم جنابه .. وتجوع القرية بكاملها لكي يحضر كل بيت طبق طعام الى ضيوف المختار الذين عادة ما يكونون من رجال الحكومة او عسكرها او فرسانها .. في قريتنا هذه .. يضيق بعض الفلاحين ذرعا بتصرفات المختار فيتندرون عليه وقت عدم وجوده في مضافة القرية .. اما اذا حضر .. فان الخطب العصماء والقصائد الرائعة تلقى متغزلة بكرمه واريحيته وقوته وشجاعته ومزاياه العتيدة .. والمختار في قريتنا التي مسحتها قوات الاحتلال عن آخرها واستبدلتها باسم يهودي ..
كان كل شىء في القرية .. فان تزوج رجل اختلى به المختار لكي يدله على طريق الانجاب .. وان اراد احد ان يطلق امرأته ويتزوج اخرى برر له المختار ذلك فيحمل (صك غفران) بتطليق الاولى وابقاء الثانية .. وان ولد طفل اوعز المختار ( بقطع صرته) وابقائها في الملح اياما عديدة حتى تجف ثم يدفنها المختار بنفسه في مقبرة القرية تيمنا بالفأل الحسن .. اكثر من ذلك .. فان المختار يراقب بنفسه او من قبل احد عيونه مواشي القرية .. فيستطيع الحمار مثلا ان يأكل العشب من كافة انحاء القرية وموارسها الا من اراضي المختار .. فذلك محرم عليه .. وان اقدم حمار بالغلط على دخول موارس المختار فانه ( أي المختار وليس الحمار ) يأمر فورا بمصادرة الحمار وضمه الى حميره التي اصبعت قطيعا يصعب عده .. وان تجاوزت بقرة حدودها ودخلت الى منطقة ( المختار المحرمه ) فان لحمها في اليوم التالي يوزع على بيوت القرية ليأكلوا هنيئا غاضين البصر عن صاحب البقرة الذي يجوح وينوح ولا يجد له منفذا الا المختار لكي يشكو المختار الى المختار .. فيٍأمر له رأس القرية بان يعمل في مزارعه سنين طويلة قبل ان يعوضه عن بقرته الضائعة .. وان اراد شاب ان يتزوج وشكى ضيق ذات اليد اعانه المختار بان جمع له من رجال القرية وبيوتها المهر .. وربما اعطاه عدة عنزات يأخذها العريس ويسددها على مدار عشر سنوات لتصبح العنزات العدة قطيعا .. واطرف ما فعله مختار قريتنا مرة ان امرأة فحشت في القول لزوجها فما كان من المختار الا ان امر بقطع لسانها لتصبح عبرة لنساء القرية .. وقد قيل وقتها ان المختار حاول الاعتداء على شرفها يومها وخيفة ان تقول الحقيقة عمد الى قطع لسانها حتى لا تتحدث عنه بالسوء .. فكانت تضم راحتها اليسرى لتصبح قبضة ثم تدخل فيها اصبعها الوسطى من اليد اليمنى لتثبت للناس انها تعرضت لشىء ما يراه البعض عارا .. اما الاخرون فيعتبرونه من حقوق المختار الذي منحته ( الالهة ) من رجال الحكومة حرية التصرف .. شرط ان يتصف بالديمقراطية في تعاملة مع النساء كأن لا يدخل الى بيتها الا بعد الثانية صباحا مثلا .. وقت شخير الناس وتردد انفاسهم الثقيلة . وفي ذات يوم .. حنق احد الشباب على المختار لتصرفاته المشينة فقام بالتعرض له على قارعة الطريق لكي يسمعه كلاما فاحشا .. وابتلعها المختار لان الشاب كان قوي البنية مثل الثور .. وارسل اليه ليلتها احد رجاله الاقوياء .. لكنه عاد بعد لأي وقد ادمي وجهه وكسر انفه فقال المختار لنفسه : اذا كان اقوى رجل عنده قد تعرض للضرب على يد هذا الشاب فانه حتما سوف يتعرض لما هو اكثر ان اقدم على التعرض للشاب .. فاحضره الى (مضافته) لكي يسمع طلباته . قال الشاب : اذا اردتني ان (احل عن ظهرك) فيجب عليك ان تركب حمارا بالمقلوب وتمر من بين بيوتات القرية وازقتها وانت تهتف .. عاشت بريطانيا حرة عربية .. فقال المختار : ولكن هذه اهانة لا يحتملها احد .. واهانة المختار يعني اهانة اهل القرية .. فهل ترغب ( يا بني ) حقا بان تهين المختار بهذه الطريقة المشينة .. قال الشاب : عليّ الطلاق ان لم تفعلها بالرضى فسوف اجبرك على فعلها قسرا .. وهكذا ركب المختار الحمار بالمقلوب واخذ ينادي : عاشت بريطانيا حرة عربية .. وردد الجملة مرات عديدة قبل ان تعترضه امرأة فتقول له : ولكن يا سيدي المختار بريطانيا ليست عربية .. انها بريطانية .. فقال المختار : اذهبي عني ايتها الحيزبون .. فطالما ان بريطانيا تحتل ارضنا ونعيش تحت وصايتها فهي عربية .. وعندما نذهب نحن الى بريطانيا فاننا نقول : عاشت فلسطين حرة بريطانية .. ولما كان فهم المرأة على ( قدها ) فقد رضيت بهذا التحليل ولم تقل شيئا وفي غضون اهانة المختار حدثت في القرية اشياء غريبة وعجيبة .. فقد رفض الفلاحون تزويد ضيوف المختار باطباق الطعام .. ورفض الحاج ابو العبد ان يعطي المختار حماره بعد ان دخل الى حرم المزرعة التي تعود للمختار .. ولم يدفع الفلاحون الاتاوة السنوية التي تقضي بان يتنازل كل منهم عن صاع من القمح وقت الحصاد لانعاش ( ميزانية ) المختار .. اكثر من هذا قامت زوجة المختار الرابعة بطلب الطلاق منه لأن (شنبه ) لم يعد مبروما كما كان في السابق. وتمردت النساء على ازواجهن فطلبن اليهم ان يعملوا في الحقول بدل ان ينظموا القصائد في مدح المختار في المضافة .. واصبح المتزوجون الجدد يأخذون النصائح من الشاب القوي عن كيفية التعامل مع نسائهم ليلة الدخله ، بعد الغاء (منظومة ) الكرابيج التي كان الشاب يتلقاها كي يدخل الى عروسه ( بشىء من الحماوة ) وترددت النساء على عين القرية زرافات ووحدانا بعد ان كان المختار قد قنن الشرب من العين وجير القناة الرئيسة الى ارضه لاروائها .. وتطور الامر فعمدت النساء الى اختراع اغان في الاعراس تحكي عن ظلم المختار وحمقه وغباوته .. واخيرا لم يستطع المختار السيطرة على الوضع الجديد .. فقرر ان يستقيل بعد لأي قامت الحكومة البريطانية بتعيين الشاب القوي مختارا على القرية .. ففتش عن القوانين التي كان المختار السابق يطبقها على الفلاحين وقام بتطبيقها بحذافيرها مع اضافة قوانين جديدة تقضي بان يخبره الفلاحون عن الحلم قبل ليلة واحدة من وقوعه حتى لا يحدث انقلاب عليه فيأتي مختار آخر .. واقام المختار الجديد تمثالا للحمار الذي ركبه المختار السابق بالمقلوب في وسط القرية واجبر الفلاحين على تنظيفه في كل يوم من الغبار وبراز الحمام والقذارة