منتديات نور الشيعه
يا هلا وغلا بل الجميع

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات نور الشيعه
يا هلا وغلا بل الجميع
منتديات نور الشيعه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الطوط العامة لمواقف الامام علي الهادي عليه السلام (الجزء الرابع )

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الطوط العامة لمواقف الامام علي الهادي عليه السلام   (الجزء الرابع  ) Empty الطوط العامة لمواقف الامام علي الهادي عليه السلام (الجزء الرابع )

مُساهمة من طرف يحيى الأربعاء أغسطس 24, 2011 11:23 am

الخطوط العامة لمواقف الإمام (ع) :
كان الإمام الهادي عليه السلام في سامراء يمارس وظيفته الاعتيادية بصفته الإمام والقائد لمواليه والمشرف على مصالحهم والمدافع عن قضاياهم بمقدار الإمكان ، في تلك الحدود الضيقة التي تحدد بحدود الضغط والرقابة الموجهة إليه وإلى مواليه .
فكان له في ذلك موقفان :
الموقف الأول: اثبات الحق أو نقد الباطل ، بحسب وجهة نظره ، تجاه الناس من غير الموالين له ، سواء على المستوى العالي في الجهاز الحاكم ، أوعلى مستوى القواعد الشعبية العامة .
الموقف الثاني: المحافظة التامة على أصحابه ورعاية مصالحهم وتحذيرهم من الوقوع في الشرك العباسي، ومساعدتهم في إخفاء نشاطهم ، وما إلى ذلك ، بحسب الإمكان .
ولعلنا نستطيع أن نتكلم في كل موقف من هذين الموقفين ، بما يوضح الفكرة ويبسط الأمثلة التاريخية ، ويؤسس الاساس لما نريد التوصل إليه في نهاية المطاف ، من دون أن نكون مضطرين إلى ذكر كل شاردة وواردة في ترجمته عليه السلام .


الموقف الأول :
نشاطه (ع) تجاه من لا يعتقد بامامته :
ويتجلى هذا الموقف في عدة نقاط :
النقطة الأولى : النقد السياسي على المستوى الأعلى وهو ما يعبر عنه بلغة الفقه ، أنها كلمة حق أمام سلطان جائر .
ولعل أول وأوضح ما يندرج في هذا الصدد ، ما ذكره جماعة من المؤرخين العامة والخاصة ، من أنه سعى به (ع) إلى المتوكل ، وقيل أن في منزلة سلاحاً وكتباً ، وغيرها من شيعته وأوهموه أنه يطلب الأمر لنفسه فوجه إليه عدة من الأتراك ليلاً ، فهجموا على منزله على غفلة ، فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر ، وعلى رأسه ملحفة من صوف ، وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، ليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى ، فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل .
فمثل بين يديه والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كاس ، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جانبه ، ولم يكن في منزله شيء مما قيل عنه ولا حجة يتعلل بها.


فناوله المتوكل الكأس الذي في يده . فقال : يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني ، فاعفاه ، وقال : أنشدني شعراً استحسنه فقال : أني لقليل الرواية للشعر ، قال : لا بد أن تنشدني شيئاً . فأنشده :

باتوا على قلل الأجيال تحرسـهم غلب الرجال فما اغتنـم القـلل
واستنزلوا بعد عز مـن معاقلهم فأودعوا حفراً يابسـاً ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد مـا قبروا أين الاسرة والتيجـان والحلـل
أين الوجوه التي كـانت منعمـة من دونها تضرب الأستار والكلل
فافصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليـها الدود يقتتـل
قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طول الاكل قد أكلوا

قال : فاشفق من حضر على علي (ع) وظن أن بادرة تبدر إليه فبكى المتوكل بكاء كثيراً حتى بلت دموعه لحيته ، وبكى من حضره ثم أمر برفع الشراب . ثم قال : يا أبا الحسن ، أعليك دين ؟! قال : نعم ، أربعة آلاف دينار . فأمر بدفها إليه ، ورده إلى منزله مكرماً (1) .
ولعلنا نستطيع أن نفهم من هذه القصة ، عدة أمور:
الأول : مقدار الجو المكهرب الذي كان يعيشه الإمام (ع) تجاه السلطات ، وكيفية معاملتهم معه ، تلك المعاملة التي كان للأتراك اليد الكبرى في ارتكابها وتحمل جريرتها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر ابن خلكان جـ 2 ص 434 ، وأبو الفداء جـ 1 ص 470 وابن الوردي جـ 1 ص 232 والمسعودي في المروج جـ 4 ص 11 .

الثاني : أن الإمام هو الذي اراد عن علم وعمد أن يكون في جوف الليل ، على الحالة التي رأوه عندها . فقد علم بنحو غيبي أو بطريق خاص ، بمثل هذا الهجوم المفاجيء . فأخفى مستنداته بنحو تام وبدأ بقراءة آيات في الوعد والوعيد ، مما يكون حجة على هؤلاء الأتراك المهاجمين . وإن تخيل الحكام والمؤرخون أيضاً أن القيام بهذه العملية كان على حين غرة منه وغفلة.
الثالث : أن الإمام اعطى لهذا المقام مقاله ، بالنحو الذي لا يكون مهدداً مباشرة للكيان القائم ، مع كونه واقعاً موقع التأثير البالغ ، لكون تذكيراً بالموت والعقاب في وقت التلبس بعصيان أوامر الله تعالى . وكان له من الشمول لكل موقف سياسي أو شخص منحرف ، ما يكفي لمتعظ .
الرابع : أن المتوكل كان في لا شعوره وفي مرحلة غامضة من بواطن نفسه ، يعترف بأمرين أولهما : أن الحق في جانب الإمام ، وأن قضيته عادلة ، ثانيهما : أن ما يقترفه من الأعمال ، انحراف عن الإسلام وعصيان لأوامر الله المتفق على ثبوتها بين المسلمين ، فهو يحس بوقع الجريمة ووخز الضمير . إلا أن كلاً من هذين الإحساسين تغطيها أغشية المال والملك والمصالح الشخصية ، الذي جعلته في قمة المنحرفين والمعادين لأهل البيت .


وعلى أي حال فقد استطاع الإمام أن يمس بإنشاده بواطن إحساسه ، فأبكاه ونجا من الشر والضرر الذي كان يحاوله ضده ، بل زاد المتوكل على ذلك باعطائه المال وصرفه إلى منزله معززاً مكرماً.
ومن مثل هذا الموقف ما كان من الإمام (ع) مع أحمد بن الخصيب ، ومن هو ابن الخصيب !؟ هو الذي استوزره المنتصر وندم على ذلك(1) وذلك لأن ابن الخصيب كان ضيق الصدر بطيئاً في حوائج الناس ظالماً ، ومن ذلك أنه ركب ذات يوم فتظلم اليه منظلم بقصه ، فأخرج رجله من الركاب فزج بها في صدر المتكلم فقتله فتحدث الناس في ذلك فقال بعض الشعراء في أثر ذلك :
قال للخليفة يا ابن عـم محمد اشكـل وزيرك أنه ركال
اشكله عن ركل الرجال فإن ترد مالاً فعند وزيرك الأموال (2)
وقد شارك جماعة الأتراك في تنصيب المستعين بعد المنتصر(3) ولكن المستعين نفاه عام 248هـ إلى اقريطش (اليونان)(4) .
ــــــــــــــــــــــ
(1) المروج جـ 4 ص 48 . (2) المصدر والصفحة .
(3) الكامل جـ 5 ص 3111 والمروج جـ 4 ص48 .
(4) الكامل ص 312 . المروج جـ 4 ص 61 .


قال الراوي : فتحير الحاضرون ، ونهض علي بن محمد (ع) فقال اثناء وزارته ، وقد قصر أبو الحسن عنه ، فقال له ابن الخصيب : سر جعلت فداك . فقال له أبو الحسن (ع) : أنت المقدم يقول الراوي : فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الدهق على ساق ابن الخصيب ، وقتل (1) .
فهذا من النقد الضمني ، وإلقاء الحجة ، على هذا الوزير المنحرف ، من حيث لا يعلم ، ولكن الإمام (ع) قال له قولاً صريحاً ، نتيجة لاعتدائه عليه والحاحه في الانتقال من الدار التي قد نزلها وتسليمها إليه . قال الراوي: فبعث إليه أبو الحسن : لا قعدن بك من الله مقعداً لا تبقى لك معه باقية ، فأخذه الله في تلك الأيام . وهذه هي دعوة المظلوم المستجابة ، وخاصة في مثل شأن هذا الإمام الممتحن (ع) .
ومن موارد إثبات الحجة على المستوى الحكومي العالي ، ما ورد بشكل مشهور عن زرافة حاجب المتوكل ، ما حاصله : أن مشعوذاً هندياً أراد أن يأنس المتوكل بلعبه . وكان الإمام (ع) حاضراً في المجلس فاراد الهندي أن يخجله ببعض شعوذاته ، ووجد من المتوكل رغبة في ذلك . فما كان من الإمام إلا أن أشار إلى صورة أسد مرسومة على إحدى الوسائد فوثبت الصورة على شكل أسد حقيقي فافترس الهندي المشعوذ وعاد إلى شكله الأول على الوسادة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الإرشاد ص 311 . والمناقب ص 511 جـ 3 .

قال الراوي : فتحير الحاضرون ، ونهض علي بن محمد (ع) فقال له المتوكل : سألتك بالله إلا جلست ورددته. فقال : والله لا يرى بعدها اتسطل أعداء الله على أوليائه ، وخرج من عنده . ولم ير الرجل بعدها (1) .
النقطة الثانية ـ إثبات الحجة على المستوى الشعبي العام :
وذلك : بالنحو الذي لا ينافي السلبية والحذر ، من السلطة القائمة : وذلك : على أحمد مستويين ـ أحدهما : المستوى الشخصي والآخر : المستوى الجماعي .
المستوى الأول : إثبات الحق وإقامة الحجة تجاه أشخاص باعيانهم . مثل موقف الإمام تجاه ذلك النصراني الذي جاء دار الإمام حاملاً إليه بعض الأموال . وبمجرد أن وصل أمام الدار خرج إليه خادم أسود . فقال له : أنت يوسف بن يعقوب. قال: نعم. قال : فانزل . واقعده في الدهليز ، فتعجب النصراني من معرفته لاسمه واسم أبيه، وليس في البلد من يعرفه ، ولا دخله قط ، ثم خرج الخادم فقال : المئة دينار التي في كمك في الكاغذ ، هاتها . فناولها إياه . وجاء فقال: ادخل ، فدخل ، وكان الإمام وحده . فطالبه الإمام (ع) بالإسلام والرجوع إلى الحق نتيجة للآيات التي رآها بقوله يا يوسف . ما آن لك ؟ فقال يوسف : يا مولاي ، قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى.
ـــــــــــــــــــ
(1) كشف الغمة جـ 3 ص 184 .


فقال: هيهات أنك لا تسلم . ولكنه سيسم ولدك فلان ، وهو من شيعتنا. يا يوسف إن أقواماً يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك . كذبوا والله ، أنه لتنفع . امض فيما وافيت له ، فإنك سترى ما تحب . قال الراوي : فمضيت إلى باب المتوكل فنلت كل ما أردت وانصرفت (1) .
وعلى هذا المستوى موقف الإمام (ع) تجاه سعيد بن سهل البصري المعروف بالملاح ، الذي كان واقفياً ، فقال له الإمام(ع)، إلى كم هذه النومة أمالك أن تنتبه منها . قال : فقدح في قلبي شيئاً وغشي علي وتبعت الحق(2).
انظر إلى هذه الرمزية التي استعملها الإمام (ع) في كلامه ، بحيث لم يكن يصلح لفهمه إلى المخاطب ، وبذلك أدخله في مواليه وقواعده الشعبية، بعد أن كان حائداً عنه. إلى غير ذلك من الأمثلة التي نكتفي منها بما نقلناه.
المستوى الثاني: إثبات الحق أمام جماعة أوجماعات، عند سنوح الفرصة وتنجز المسؤولية : بشكل هادئ ليس فيه تحد للوضع القائم ، أو مقابلة الخط الحكام .
ـــــــــــــــــــ
(1) كشف الغمة جـ 3 ص 183 .
(2) المناقب جـ 3 ص 511 .


فمن ذلك : أنه كان لبعض أولاد الخلفاء وليمة دعا إليها الإمام الهادي عليه السلام . فلما رأوه انصتوا إجلالاً له . وجعل شاب في المجلس لا يوقره ، وجعل يلفظ ويضحك ، يدعوه إلى ذلك تجاهل وجود الإمام والتهوين من شأنه أمام جماعة المدعوين . فقال الإمام له : ما هذا الضحك ملء فيك ، وتذهل عن ذكر الله ، وأنت بعد ثلاثة ايام من أهل القبور. فكف عما هو عليه . وكان كما قال (1) حيث مات الشاب في الموعد المحدد . ولم يكن على أحد من المدعوين ، ألا أن يعرف موعد مدته ، ليعرف حق قول الإمام عليه السلام .
ومن ذلك : أن السلطات خرج في يوم من أيام الربيع ، إلا أنه صائف ، والناس عليهم ثياب الصيف ، أما الإمام (ع) فعليه لباد وعلى فرسه ثوب يحميه المطر ، وقد عقب ذنب فرسه. والناس يتعجبون منه ويقولون : ألا ترون إلى هذا المدني ، وما قد فعل بنفسه . قال الراوي : فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة، هطلت. فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر. وعاد عليه السلام ، وهو سالم في جميعه (2) . وهنا كان يكفي كل واحد من هؤلاء ، قليلاً من الإلتفات ليروا كرامة الإمام عليه السلام .
وهنا نلاحظ أن مشاركة الإمام (ع) لموكب السلطان في الخروج إلى الصيد ـ وهو لهو كان مفضلاً عند الخلفاء والوزراء في تلك العصور ـ ناتجة في الحقيقة عما عرفناه من سياسة الخلافة العباسية في حجز الإمام (ع) في بوتقة البلاط، وعزله عن قواعده الشعبية ونشاطه البناء ، لكي يكون دائماً تحت الرقابة والنظر.
ــــــــــــــــ
(1) المناقب جـ 3 ص 517 .
(2) المصدر السابق ص 516 .

النقطة الثالثة ـ جهاده العلمي :
ذلك الجهاد الذي كان يقوم به عليه السلام ، لكي يثبت حقاً أو يدفع باطلاً ، أو يجيب عن استفتاءات الخليفة له، أو يدفع تحديه عنه.
أما ما كان من إثبات الحق محضاً ، من دون أن يكون مسبوقاً بتحدٍ أو ازعاج . فمنه ما أجاب به عليه السلام عن سؤال الأهوازيين حين سألوه عن الجبر والتفويض . وهو بيان مطول بدأه بمقدمة حول إثبات الإمامة طبقاً للمفهوم الحق الذي يعتقده ، وأتبعه بالجواب الصحيح عن الأمر بين الأمرين (1).
ومنه ما أجاب به أحمد بن إسحاق حين سأله عن الرؤية وما فيه الخلق (2).
وأما ما كان من دفعة للباطل ، بعد اشتباه المسألة والتردد فيما هو الحق عند البعض ، فمنه ما تكلم به عليه السلام مع فتح بن يزيد الجرجاني ، لإزالة بعض الشبهات الواردة في ذهنه (3) ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظره في الاحتجاج جـ 2 ص 251 وما بعدها .
(2) انظره في المصدر والصفحة . (3) انظره في المصدر ص 260 .


وما ورد به على رجل عباسي حين عز عليه تقدم الإمام عليه ، مع اعتقاده أنه أشرف منه نسباً !! (1) .
وأما المتوكل واستفتاءاته وتحدياته للإمام عليه السلام ، فهو كثير ، فإن المتوكل في الوقت الذي يعوزه الفقه في عدد من الوقائع ، يضطر إلى الرجوع إلى الإمام لتذليل ما يواجهه من عقبات . ولكنه كان يمزج استفتاءاته بالتحدي ، فيسأل عن الحكمة أو الدليل بقصد الإحراج لا بقصد الفهم الصحيح ، على ما سنعرف . وكان الإمام (ع) يجيبه بالشكل الذي يراه مناسباً مع فهمه وفهم الحاضرين ، وموافقاً للمصلحة مع كونه مثبتاً للحق في نفس الوقت .
فمن ذلك أنه قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة ، فأراد أن يقيم عليه الحد ، فأسلم . فقال يحيى بن أكثم ـ وهو قاضي القضاة يومئذ ـ قد هدم إيمانه شركه وفعله. وقال بعضهم يضرب ثلاثة حدود . وقال بعضهم يفعل به كذا وكذا .
فلما رأى المتوكل هذا الاختلاف بين الفقهاء. أمر بالكتابة إلى أبي الحسن العسكري الإمام الهادي عليه السلام، لسؤاله عن ذلك . فلما قرأ الكتاب كتب عليه السلام : يضرب حتى يموت .
ــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الاحتجاج جـ 2 ص 260 .


فانكر يحيى وانكر فقهاء العسكر: سامراء ـ ذلك . فقالوا : يا أمير المؤمنين ، سله عن ذلك فإنه شيء لم ينطق به كتاب ولم يجيء به سنة .
فكتب إليه : أن الفقهاء قد أنكروا هذا . وقالوا : لم يجيء به سنة ولم ينطق به كتاب . فبين لنا لم أوجبت علينا الضرب حتى يموت .
فكتب عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ، وكفرنا بما كنا به مشركين . فلن يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا (1) . فأمر به المتوكل ، فضرب حتى مات (2) .
ونستطيع أن نفهم من ذلك ، بوضوح ، أمرين :
الأول : أن المتوكل بالرغم من افتقاره إلى الرجوع إلى فتوى الإمام عليه السلام لحل مضلته ، لم يكن على استعداد لتنفيذ ما أمره الإمام إلا بعد مراجعته والتأكيد عليه في طلب الدليل .
الثاني : أننا نفهم من سياق الآية التي استشهد به الإمام ، طريقة فهمه عليه السلام للموقف ، وهو : أن الإسلام الذي أظهره هذا النصراني ليس إيماناً صحيحاً ، وإنما هو لقلقة لسان أظهرها للتهرب من إقام الحد والنجاة من العقاب . وكل من أظهر الإيمان خوفاً من العدل الالهي ، لا يكون الإيمان نافعاً له ، ويكون مستحقاً لمثل هذا العقاب الذي أمر به عليه السلام .
ــــــــــــــــــــــ
(1) المؤمن 84 ـ 85 . (2) المناقب جـ 3 ص509.

وقد يكون موقف المتوكل تجاه الإمام موقف التحدي صرفاً ، لا لأجل الحاجة إلى تطبيق الفتوى، ولا لأجل الحاجة إلى فهم الحق في المسألة ، ولا لأجل إثبات جدارة الإمام عليه السلام توخياً للإيمان به ، بل لمجرد التحدي.فمن ذلك أن المتوكل يقول لابن السكيت: أسأل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي! فيسأله ابن السكيت عن بعض ما يراه صعباً ومشكلاً ، فيخرج الإمام (ع) ظافراً من هذا التحدي ، ويجيب بما هو الحق الصريح. وإذ ينتهي الكلام مع ابن السكيت يبتدر يحيى بن أكثم ، فيقول : ما لابن السكيت ، ومناظرته ، وإنما هو صاحب نحو وشعر ولغة،ورفع قرطاساً فيه مسائل ، فأملى علي بن محمد عليه السلام ، على ابن السكيت جوابها (1) .
انظر إلى تعليق ابن أكثم حين قرأ جواب الإمام ، تجده قد تخوف من عمق أجوبته ودقة علمه ، من أن يشارك في الدعاية له وتأكيد صدق قضيته ، وبالنهاية توسيع وتقوية قواعده الشعبية ، قال يحيى بن أكثم للمتوكل : ما تحب أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي هذه. وأنه لا يرد علي بشيء بعدها إلا دونها. وفي ظهور علمه تقوية للرافضة (2) .
فهذه عدة نقاط من الموقف الأول للإمام في العاصمة العباسية .
ـــــــــــــــــــ
(1) المناقب جـ 3 ص 507 . (2) المصدر ص 509 .


الموقف الثاني :
موقفه مع أصحابه ومواليه
.
وهو ما يرجع إلى المحافظة عليهم وحمايتهم من الإنحراف ومن الإرهاب العباسي . ومساعدتهم على قضاء حوائجهم بحسب الإمكان . ويندرج في هذا الموقف عدة نقاط :
النقطة الأولى :
حماية أصحابه وذويه من الإنحراف ، وبيع الضمير للحكام بأرخص الأثمان .
ولعل أهم وأوضح موقف وقفه الإمام (ع) في هذا الصدد ، موقفه في ردع أخيه موسى بن محمد بن علي بن موسى على آبائه الصلاة والسلام ، عن الإجتماع مع المتوكل في المجلس الذي كان يريده المتوكل له ، وهو مجلس اللهو والشراب، ليتوصل بذلك إلى هتك أخيه الإمام الهادي عليه السلام ، والتشهير به . ولكن الله تعالى أتم نوره ، ولم يتوصل المتوكل إلى مقصوده فإن المتوكل ، تحت سورة من الحقد والغضب ، قال لأصحابه في بعض مجالسه : ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا(1) وجهدت أن يشرب معي وأن ينادمني ، فامتنع ، وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى فلم أجدها . فقال له بعض من حضر المجلس : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذا الحال ، فهذا أخوه موسى قصاف عزاف ، يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع ، فأحضره واشهد به . فإن الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك . فلا يفرق الناس بينه وبين أخيه . ومن عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله .
ـــــــــــــــــــ
(1) يعنى الإمام الهادي عليه السلام .


وجاء هذا الاقتراح مناسباً مع اتجاه المتوكل وبلسماً على جرح قلبه . فأمر باستقدامه إلى سامراء مكرماً ، وأمر له باستقبال فخم يحضر فيه جميع بني هاشم والقواد وجماهير الناس. وكان عازماً على أنه إذا قدم اقطعه أرضاً وبنى له فيها ، وحول إليها الخمارين والقيان ـ أي الجواري والمغنيات ـ وأمر بصلته وبره . وزاد على ذلك ـ لأجل تحقيق غرضه ـ أن أفراد له منزلاً سرياً يصلح أن يزوره فيه .
وإلى هنا ، حاول المتوكل ، بسلطته على شؤون الدولة ، أن تكون مؤامرته على هتك الإمام بواسطة التشهير بأخيه ، تامة. إلا أن ذلك مما لا يمكن أن يفوت الإمام خبره ، ولا يمكن أن يتغاضى عنه . لأنه هو المقصود بالذات ، في هذا التخطيط ، والعمل ضده عمل ضد الدين وضد سيد المرسلين ، باعتبار أنه يعتقد أنه الممثل الاساسي الأكمل لهذا المبدأ المقدس ، فوقف الإمام (ع) ضد هذه المؤامرة موقفه الحاسم .
خرج عليه السلام مع المستقبلين ، فتلقى أخاه في قنطرة وصيف ، وهو موضع يتلقى فيه القادمون . فسلم عليه ووفاه حقه . ثم جاء دور تحذيره من المؤامرة وتنبيهه على ما ينبغي أن يتصرف . بالنحو الذي يقتضيه رضاء الله تعالى وتعاليم الإسلام .

فقال له الإمام : أن هذا الرجل (1) قد أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط . واتق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً . فقال له متجاهلاً : وإنما دعاني لهذا ، فما حيلتي . قال له الإمام (ع) : فلا تضع من قدرك ولا تعص ربك ولا تغفل ما يشينك ، فما غرضه إلا هتكك .
وهنا بدأ الأعراض والتشكيك من موسى أخيه ، إذ لعله كان يحسن الظن بالمتوكل وينكر مؤامرته ، أو لعله يدركها وليس لديه منها مانع ، بالرغم مما فيها من الهتك له ولأخيه ولدينه. فكرر عليه أبو الحسن القول والوعظ ، وهو مقيم على خلافه . فلما رأى أنه لا يجيب ، وجد الإمام عليه السلام أن آخر الدواء الكي ، وأنه لا بد أن يقول قوله الحاسم ، مستمداً من وراء الغيب ، فقال له : إما أن المجلس الذي تريد الإجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً .
ثم انظر كيف يتم الله نوره ، ويأخذ بيد الإمام (ع) ... أن المتوكل لأسباب مجهولة ، تحول من ذلك الحماس العظيم للاجتماع مع موسى في درا منفردة في مجلس اللهو والطرب ، تحول إلى محاولة إبعاده وحجبه عنه وعدم الإجتماع به. حيث أقام موسى ثلاث سنين ، يبكر كل يوم إلى باب المتوكل ، فيقال له : قد تشاغل اليوم ، فيروح ، ويبكر ، فيقال له : قد سكر فيبكر ، فيقال له : قد شرب دواء . فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل (2) . ولم يجتمع معه على شراب (3) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) يعني المتوكل العباسي . (2) نعرف من ذلك أن هذه الحادثة وقعت عام 244 .
(3) الإرشاد ص 312 وغيره .


النقطة الثانية :
حمايته لأصحابه من الإرهاب العباسي . وذلك بمقدار إمكنه ، ولا ينافي خطه السلبي العام
.
ولعل أوضح موقف يروى من ذلك ، هو موقف الإمام مع محمد بن الفرج الرخجي ، إذ كتب إليه محذراً : يا محمد اجمع أمرك وخذ حذرك . فلم يفهم ماذا أراد الإمام بكلامه هذا ، ولو كان قد فهم لدفع عن نفسه شراً مستطيراً. يقول هذا الراوي: فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد بما كتب ، حتى ورد عليّ رسول حملني من وطني مصفداً بالحديد ، وضرب على كل ما أملك ، وكنت في السجن ثماني سنين .
ثم انظر إلى لطف الإمام عليه السلام به مرة أخرى ، حيث كتب إليه وهو في السجن : يا محمد بن الفرج لا تنزل في ناحية الجانب الغربي قال الراوي : فقرأت الكتاب وقلت في نفسي : يكتب إلى أبو الحسن بهذا وأنا في السجن أن هذا لعجب . فما لبث إلاّ أياماً يسيرة حتى فرج عني وحلت قيودي وخلى سبيلي (1) .
ويندرج في مساعدته لهم بطريق الدعاء. وهو الطريق الغيبي المتوفر دائماً ، للانقاذ من المصاعب وحل المشاكل . فكان الإمام عليه السلام يلجأ إليه حين يجد المصلحة في ارتفاع الصعوبة عن هذا الطريق .
ـــــــــــــــــــ
(1) إعلام الورى ص 342 .

صفحة (139)

فمن ذلك ما حدث به أحد المعاصرين لذلك العصر المتضررين من الحكم العباسي ، حيث بقول : قصدت الامام يوماً فقلت: أن المتوكل قطع رزقي. وما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك. فينبغي أن تتفضل علي بمسألته... ولم يتفضل الامام بالوساطة الى المتوكل - كما طلب - وانما تفضل عليه السلام بالوساطة مع الله تعالى ، وهو غاية المأمول ونهاية المسؤول ذو القوة المتين. فقال الرجل : تكفى ان شاء الله، يقول هذا الراوي : فلما كان الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولاً . فجئت اليه فوجدته في فراشه. فقال : يا أبا موسى يشتغل شغلي عنك وتنسينا نفسك. أي شئ لك عندي به . فقلت : الصلة الفلانية، وذكرت أشياء. فأمر لي بها وبضعفها.
وإلى هنا تأكد في ذهن هذا الرجل بان الامام قد نفذ وساطته المطلوبة ... فبدر إلى الوزير الفتح بن خاقان وقال له مستفهماً : وافي علي بن محمد إلى ههنا ، أو كتب رقعة ! فأجاب الوزير بالنفي.
قال: فدخلت على الأمام . فقال لي : يا أبا موسى هذا وجه الرضا. فقلت ببركتك يا سيدي، ولكن قالوا : انك ما مضيت ولا سألت. فأجابه الامام عليه السلام ... انظر إلى جوابه إذ يسند النتيجة إلى الارادة الألهية والعون الألهي حيث لا يوجد المعين . فأن أهل البيت عليهم السلام قد أجابوه إلى كل ما يريد فأجابهم عز وجل إلى كل ما يريدون. وكل من كان كذلك حصل على هذه النتيجة الكبرى.


يحيى
يحيى

ذكر تاريخ التسجيل : 18/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الطوط العامة لمواقف الامام علي الهادي عليه السلام   (الجزء الرابع  ) Empty رد: الطوط العامة لمواقف الامام علي الهادي عليه السلام (الجزء الرابع )

مُساهمة من طرف محبه ال البيت الأحد أغسطس 28, 2011 11:02 pm

قال تعا لى {ان الله لايغفر ان يشرك به ويغفرمادو ن ذلك لمن يشاءومن يشرك با لله فقدضل ضللا بعيد ا}سورة النساء 116 \ولم يذكر على رضى الله عنه وا قوله تعالى { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } سورة الانعام ايه 61
محبه ال البيت
محبه ال البيت

انثى تاريخ التسجيل : 29/07/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى