بيعة الغدير

**بنت الرافدين** تاريخ التسجيل : 14/11/2010

--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد

فإنه كان من المفروغ منه في بحث سابق أن الإمامة أمر لازم وأن قضية الغدير بموجب الأدلة المتضافرة هي حقيقة واقعية ولو على ذمة المبني الخاص وتعقيباً على ما تقدم نقول أن قضية الغدير مسألة لاكها فم النـزاع أكثر من مرة ولعلها هدأت الفوره ولعلها لم تهدأ. ..

ولكن النزاع لا يكاد يزعج أحدا ولم يعد تجدد النزاع يخيف أهل الإيمان بقضية الغدير إذ بدأنا نتلمس في الأفق حقيقة جديدة هي أن قضية الغدير قد بدأت تتبلور لدى الجيل الصاعد من شباب العصر بحيث عادت النتيجة تصب في صالح قضية الغدير

فكم من شخص أنصف وأذعن وآمن بالحقيقة وكم وكم والحديث شجون فلم يعد يضيرنا أن نفتح النافذة ونتطلع ولو مع بصيص النور إلى ما كان يجري في آنه أو نفتح أرشيف الغدير لننظر ولو بلمحة خاطفة إلى الصور والمشاهد المرسومة بداخله أو أن نطلع على الوثائق الهامة المعتمدة فيه ومن يدري لعل ذلك كله كان مأخوذ في الحساب لدى صاحبنا الذي أراد أن يعرف الحقيقة على واقعها فذلك هو الشأن فيمن يرى أن موضوع الغدير يعد قضية مصيرية بالنسبة إليه فالنظر فيها أمر لازم على إننا لو أغمضنا النظر عن كل ذلك فغريزة حب الاطلاع سوف تضغط بثقلها ولن تدع مجالاً للإعراض وعلى أي تقدير فهذا هو الملف الخطير فلنقدر أنه قد انفتح فما نرى وماذا يرى صاحبنا الذي اعتمد لنفسه الاطلاع على القضية المطوية فيه.

أقلام أربعة تتصارع ومن ورائها الأفكار تمنهج لها عبر الطريق الشائك، والطريق وان بدا وكأنه متشعب إلى خطين رئيسيين احدها الإثبات والآخر النفي إلا أنه لدى التأمل يرى أن التشعب فيه إلى أربعة :

(1) إنكار للغدير في القضية والمضمون والمحتوى.

(2) إيمان بالغدير في الوقوع وفي المضمون والمحتوى واعتماده في المجال العقائدي.

(3) إيمان بالغدير في الوقوع وتأول في بعض فقرات النص كالمولى.

(4) إيمان بالغدير في الوقوع وفي المضمون والمحتوى وانحراف عنه تمسكاً بأمور ادعى كونها من المبررات منها صغر السن في أمير المؤمنين عليه السلام وكبره في غيره.

كل هذا يرى أمام المستطلع وماذا عليه لو همش بقلمه ولو على طرف مفكرته فسوف لا يكلفه ذلك عناءً كثيراً ولعله يقع على الحقيقة بيسير من التحقيق حيث تذوب إمامه الحواجز وعلى أي حال فالملاحظ على القول الأول ندرة القائل به وتضافر الأدلة على العكس مع كونها بحد التواتر ولو غض النظر عن التواتر لامكن دعوى حصول الاطمئنان ولو بطريق حساب الاحتمالات بل وعلى مزاج العصر الحديث في قضية التصويت لأمير المؤمنين حيث لا يعتد بالأقل في قبال الأكثر فالقول الأول ساقط عن الاعتبار وكل ذلك يجري في مقام الفرض والتنـزل وإلا فقضية الغدير أوضح وأجلى وأشهر من أن يجري عليها الإنكار بعد ما استفاضت الأحاديث بنقلها ولا حاجة بنا إلى الكلام عن القول الثاني لقيام الأدلة عليه ومع التنـزل لا أقل من أن تكون المسألة فيه مبنائية ولا يضر القائل به بعد ذلك إذ بعد بطلان القولين المقابلين له تكون النتيجة في صالح ثبوته بعد الاتفاق على أصل الوقوع لدى أصحاب الأقوال الثلاثة.

فحسابنا إنما هو مع الثالث حيث انه اعترف بأصل القضية وأنكر المضمون والمحتوى وطالب بالرجوع إلى التأويل محتجاً بأن لفظ المولى مشتركاً ولا يمكن ظهوره في احد معانية بالخصوص من دون قرينه معينه وصحيح أن ذلك هو المتبع علمياً في اللفظ المشترك أن لم يدعِ انصرافه إلى ذلك المعنى وكون المولى بمعنى الإمام والخليفة أو يدعي ظهروه فيه مع القرينة حيث يرى انه من السهل دعوى وجود القرينة في المقام بل واقع الحال ينادي بها فإن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يقل قولته تلك : ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) ألا بعد أن تسائل مع القوم بنحو يكون تسائله مقدمة يترتب عليها ما سيقول حيث قال : ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) وفي نص آخر ألست أولى بكم من أنفسكم وبعد إن أجابوه بالتلبية قال : ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) ومن الواضح أنه لا بد من وحدة المعنى والتوافق في المقدمة والنتيجة وإلا لم تترتب النتيجة على تلك المقدمة والمفروض أن الرسول ( صلى الله عليه وآله) رتبها عليها فالوحدة مفروضة الوجود في المقام بنحو مفروغ منه.

وهناك صورة أخرى للقرينة هي أنه ( صلى الله عليه وآله ) عقّب قوله ذلك بالدعاء حيث قال :
( اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ) وكل ذلك لا يناسب إلا مع الإمامة والخلافة إذ لا يستحق غيرها هذا الاهتمام ولا هذا الدعاء وهناك صورة ثالثة للقرينة وهي آية : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ (67) سورة المائدة)

حيث نزلت في ذلك اليوم وبهذا الشأن ولا يحتمل فيها أن يكون نزولها لأمر دون ذلك في الأهمية وآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وقد نزلت في يوم الغدير بعد البلاغ من الرسول ولا يجوز أن ينسب إلى الله تعالى أنه أراد كمال الدين بأمر غير الإمامة إذ أي شيء يمكن أن يتصور فيه أنه به يكمل الدين غير الإمامة وثمة صورة رابعة للقرينة هي اخذ البيعة فإنه من الثابت أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) اخذ البيعة لعلي عليه السلام من جميع من حضر في ذلك اليوم ولم يستثنِ أحداً ولا يناسب اخذ البيعة ألا على الخلافة وتأتي صورة خامسة للقرينة هي قول بعضهم وقد صفق على يد أمير المؤمنين عليه السلام عند البيعة بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ومسلمة وقد فهم هذا أن المراد بالمولى هو الإمام والخليفة ولهذا قال مولاي ومولى كل مسلم ومسلمة وهذا الشخص ممن يعتد بفهمه فقد سمع النص من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) مشافهة ويعتمد على فهمه في مقام إلزام الخصم ويؤيد ذلك أنه ليس من المناسب لمقام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حبس أصحابه في ذلك الوادي المتوهج بحرارة شمس الهجير ليبلغهم أن علياً هو مولاً على أهل بيته أو أولى بأهل بيته ومن الذي سينازع علياً في الولاية على أهل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله ) على أن الولاية على أهل بيت الرسول ليس فيها ما يغري ويستوجب التنازع إلا شرف الولاية وإلا فلم يترك الرسول من الحطام ما يستحق هذا الاهتمام وهو في غاية الوضوح على رأي من يقول بأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لا يورث على أن الفرصة لا تزال مهيئة للإبلاغ بأن علياً أولى بأهل بيته ولو بعد وصوله إلى المدينة بل تأخير ذلك إلى حين الموت كما هي العادة في الوصية أولى تحوطاً لما قد يستجد لديه من أمر قد يقضي بتغيير الوصية وليس الحال في الإمامة كذلك بل الأمر فيها ثابت لا يتغير لأنها قائمة على علم الله والله لا يتغير علمه ومن المعلوم أن المناسب في الإمامة هو البدار لان مجريات الأحداث قد تضيع الفرصة المناسبة للبلاغ فيها وهو واضح إذا أخذنا في حسابنا أن هذا العدد الضخم المجتمع من بلدان عدة لا يتيسر حصوله وتجمعه في كل وقت مع الاحتفاظ بخصوصية كونه من مختلف البلدان الإسلامية لأن كل طائفة ستكون داعية في أهل بلدتها وشاهد عيان على حصول النص بالإمامة واخذ البيعة وليس الحال كذلك لو كان التبليغ في المدينة لأنه إنما ينتفع به أهلها ولا يكاد يصل النص إلى غيرها من البلدان إلا بالرواية التي يسهل التشكيك فيها من قبل المغرضين ومتعمدي إنكار الحقائق.

وينتهي بنا الكلام للمحاسبة مع القول الرابع لأنه بعد الاعتراف والإيمان بالغدير قضية ومضموناً وفي المحتوى فما هو المبرر للميل والانحراف عنه أفهل يكون لأحد خيار فيما اختاره الله ورسوله ؟ وأين قوله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً ) إلا يكون ما تمسك به الخصم اجتهاداً منه في قبال نص القران وهو غير جائز بالاتفاق على أن ما تعلل به من كبر السن واعتبره مبرراً للانحراف عن أمير المؤمنين عليه السلام هل يراد الأكبر على التحقيق بحيث لا يكون هناك من هو اكبر ممن فيقال انه من الثابت أن في المسلمين آنذاك من هو اكبر من اعتمد كبر سنه ورآه مبرراً لتقديمه على أمير المؤمنين عليه السلام.

وان راد به الكبر على النسبة فعلي عليه السلام واجد لذلك إذ يقال في حقه انه اكبر بالنسبة إلى من هو اصغر منه وهذا كله من باب المجارات مع الخصم وإلا فلا يكاد يشك أحداً أن كبر السن لا اثر له في الترشيح خصوصاً فيمن هو فاقد لأهم المؤهلات للإمامة وهما العلم والعصمة لأن الخلافة ليست زعامة في الأمة فحسب بل هي رئاسة في الدين فهي بهذا تقضي بلزوم أن يكون الخليفة عالماً بجميع أحكام الشريعة مضافاً إلى كونه معصوماً لئلا يقع منه النسيان أو الخطأ أو تعمد المخالفة للأحكام رعاية لمصالحه ويضاف إلى ذلك أن الخلافة يعود الحال فيها إلى إنها كما هي خلافة عن الرسول(صلى الله عليه وآله ) على الأمة فهي خلافة عن الله تعالى فان الإمام خليفة الله تعالى في الأرض بعد الرسول فبذلك لا بد أن يكون نصب هذا الإمام والخليفة من قبل الله تعالى فهو الذي يختار خليفته كما اختار نبيه من قبل لأنه أدرى بمن يصلح للنبوة ولمن يصلح للإمامة ولا يجوز للأمة أن تختار لله خليفة من قبلها وتفرضه عليه فرضاً فإن الله تعالى اجل وأرفع من أن يفرض عليه احد من عباده شيئاً ويلزمه به.

وأظن أنا خرجنا عما أخذناه على أنفسنا من التطلع إلى قضية الغدير عن كثب وعلينا أن نقف حيث انتهى بنا المطاف.
موسوعة اسئلة الشیعة من اهل السنة
المأخذ : www.alsoal.com

بيعة الغدير Eid_ghadeer-1423